إعلانات

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)التوبة

الجمعة، 14 فبراير 2014

بحث حول وجوب الإحتفال بالمولد النبوي الشريف / الأستاذ: محمدن ولد آد

كل عام، وكلما حل شهر المولد الشريف، ثارت ثائرة بعض المشككين في جواز الاحتفاء والاحتفال به؛ فوصفوها بالبدعة المذمومة، والعمل الشركي. ولانتشار ذلك، ربما ظن بعض الناس أن المسألة لم يُتَطرَّقْ لها قبل أعصرنا هذه، وأن السلف رحمهم الله – وهم الأتقى والأنقى- لم يتطرقوا إليها.
لهذه الأسباب، ولغيرها، أردنا مقاربة هذا الموضوع، تبركا به، وبمناسبته العظيمة، وبهذا الجمع الميمون الملتئم في هذه البلدة الطيبة لذكر الله وحبا لنبيه عليه الصلاة والسلام، عسى أن نكون من الراتعين في هذه الروضة الأنف... ثم لإزالة بعض اللبس الذي ما فتئ بعض الناس يحاول إلصاقه بإحياء ذكرى من قال الله في حقه: "والله يعصمك من الناس".
في مقاربة هذا الموضوع، سنذكر أقوال بعض من خيرة العلماء السابقين، ثم نذكر أسماء بعض من ألف من السابقين نصرة للاحتفال به، ثم أقوال بعض العلماء المعاصرين، ثم نختم إن شاء الله تعالى.

                             I.            أقوال العلماء قديما

1. شيخ الحافظ النووي، وهو الإمام الحجة أبو شامة: فقد قال في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" إن "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكرا لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين"؛

2. ذكر ابن كثير في تاريخه حين حديثه عن صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى أنه "كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا، وكان شهمًا شجاعًا بطلًا عاقلًا عالمًا عادلًا رحمه الله وأكرم مثواه (...) وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنجة بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة" .

3. أباح ابن تيمية الاحتفال بالمولد النبوي، بل صرح أن من عمله بنية حسنة يكون له فيه أجر، ففي كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم" ما نصه: "فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم".

4. الحافظ ابن رجب الحنبلي: في كتابه "لطائف المعارف"، ذكر أن "أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهارُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) (آل عمران: 164) .

5. الإمام الحافظ ابن الجوزي: وقد ذكر أن المولد الشريف "أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام".

6.    الحافظ ابن حجر: وقد سئل الحافظ أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: "أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجّى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة". ثم يضيف رابطا مقدمته هذه بالمسألة: "وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة في ذلك اليوم"، على أنه جعل إحياءه مقتصرا على ما يفهم الشكر لله تعالى كالتلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة.
7. الإمام القسطلاني، وهو شارح البخاري: فقد ترحم على من "اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا".

8. جلال الدين السيوطي: في كتابه "الحاوي للفتاوى"، ذكر أن "أصل عمل المولد، الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، والأخبار الواردة في بداية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما وقع له من الآيات، ثم يُمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك - هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح بمولده الشريف".

9. رجح الألوسي في "روح المعاني" عند قوله تعالى: (فبذلك فليفرحوا) (الآية)، كون الرحمة المذكورة في الآية هي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما يرشد إليه قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).

10.      في تفسير أبي السعودعند قوله تعلى: "وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين"، قال:  فلم يقدِروا قدرَه ولم يشكروا نِعمَه لا سيما ما أنعم به عليهم بإرسال مثلِك إليهم وأنزل القرآنَ الذي هو مدارُ المنافع الدينية والدنيويةِ عليهم.

هذا، ونكتفي بذكر هؤلاء العشرة، والعلماء الذين وافقوهم الرأي أكثر من أن ينالهم الحصر، والحمد لله رب العالمين.

II مؤلفات العلماء
المؤلفون في الموضوع أكثر من أن يحصروا، ولذلك نكتفي بذكر نماذج:
1. الإمام الحافظ محمد بن أبي بكر عبد الله القيسي الدمشقي: حيث ألف كتبا في المولد الشريف وأسماها: "جامع الآثار في مولد النبي المختار" و "اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق"، وكذلك "مورد الصادي في مولد الهادي"، صلوات الله وسلامه عليه.
2.   الإمام الحافظ العراقي: وقد سمى كتابه في المولد النبوي: "المورد الهني في المولد السني".
3. الحافظ ملا علي قاري: فقد ألف كتابا في المولد النبوي العطر أسماه: "المورد الروي في المولد النبوي".
4. الإمام العالم ابن دحية: وسمى كتابه: "التنوير في مولد البشير والنذير"، صلى الله عليه وسلم.
5. الإمام شمس الدين بن ناصر الدمشقي: وهو صاحب كتاب "مورد الصادي في مولد الهادي" صلى الله عليه وسلم
6. الإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري: إمام القراء وصاحب التصانيف التي منها: "النشر في القراءات العشر"، وسمى كتابه: "عرف التعريف بالمولد الشريف".

III نماذج بارزة من العلماء المعاصرين
أولا: العالم الجليل العارف بالله محمد عبد الله بن السيد
بحسبي هنا أن أقدم موجزا لقراءة السيد محمد الحافظ ولد محم لأحد كتبه. ولا يحتاج اكتشاف موقفه من الموضوع إلى أي جهد، فهو ظاهر جلي من عنوانه كتابه الجديد: "إقناع المحقين بإحياء مولد إمام المتقين".
كما تتجلى علميته وموضوعيته في دفاعه عن الاحتفال بالمولد الشريف، من خلال تصديره كتابَه بالحديث النبوي الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"
وقد لخص القول في الاحتفال بالمولد النبوي بقوله إنه: "إن سلم من الشوائب التي تخالف مقصود الشارع كان من أعظم القربات، لما فيه من استرضاء الوسيلة الأعظم وتعزيزه وتوقيره وتعظيمه والاعتراف الفعلي والقولي بعلو مرتبته واستمرار أفضليته .
ولا خلاف ـ يقول المؤلف ـ في أن تعظيمه صلي الله عليه وسلم واجب والاستخفاف به كفر؛ لذلك يكون تعظيم مولده من أخص تعظيمه لما يقتضي من الاحتفال بكرامته والابتهاج بمولده، تقربا إلي الله وإظهارا المحبة هذا الرسول الكريم وتربية الناشئين عليها.
وقرن المؤلف محبته صلي الله عليه وسلم بالابتهاج بهذه الليلة المباركة الطيبة التي ولد فيها نبي الرحمة والهدي الصادق الشاهد المبشر النذير الداعي إلي الله السراج المنير الذي تفجرت منه ينابيع جميع الخيرات وأصبحت بمولده جميع الليالي الفاضلات حسنة من حسنات هذه الليلة وفرعا من فروعها الوافرة الظليلة ..
إن التعظيم الطبيعي لهذا الرسول الكريم أن نعظم الليلة المباركة التي ولد فيها ساجدا طيبا طاهرا تتوارد عليه ملائكة الرحمن تخدمه وتبشر به في هذه الليلة التي فتح الله فيها أبواب نفحاته بثمرات نبي الرحمة التي وسعت البر والفاجر وعمت الناطق والصامت والجامد والمتحرك والحي والميت.
ثم يتساءل المؤلف: "أي شرع أو طبع ينهانا عن تعظيم سيدنا محمد العاقب الحاشر الماحي بذكر سيرته ونشر محامده والإنفاق في سبيله في هذه الليلة المباركة التي عرفت به وافتخرت علي سائر الليالي بخصوصية وجوده صلي الله عليه وسلم.
كما عرج المؤلف على بعض المعجزات والخوارق التي ظهرت في ليلة مولده صلي الله عليه وسلم كانصداع الإيوان، وسجود الأصنام، وغور مياه ساوة، وخمود نار فارس ، وتوارد الملائكة عليه، وغيرها من الخوارق والمعجزات التي تدل علي عظم هذه الليلة .
 وقد سرد جملة من الحجج العقلية والنقلية كدليل علي ضرورة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، نورد منها:
1- أن المراد من أعياد الإسلام:
-        إظهار نعمة الله بمقتضي القيام بالواجبات - شكر الله علي رسالته صلي الله عليه وسلم - إظهار مخالفة أعياد الجاهلية وإغاظة أعداء الدين بإظهار شعائر الإسلام.
إن هذه التعليلات كلها تؤكد علي إظهار عظمة هذا الدين وشكر رب العالمين عليه وذلك بالضبط ما يدعونا لتعظيم ليلة المولد النبوي الشريف.
2- ذكر الله في الغافلين
ورد في الحديث الشريف أن ذاكر الله في الغافلين كالذي يقاتل عند الفرار، وذاكر الله في الغافلين كالمصباح في البيت المظلم، وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة الخضراء وسط الشجر الذي قد تحات من الصريد، وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده من الجنة، وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وأعجم.
والاحتفال بالمولد النبوي الشريف في هذا الزمان الذي كثرت فيه الغفلة عن الله ورسوله (احتفالات وتجمعات للهو وللعب، أعياد محدثة) هو ذكر لله بين الغافلين. في هذه الخضم أفلا نحتفل نحن شكرا لله وذكرا  له ؟

وأشار المؤلف إلى أن الاحتفال به وإن لم يكن قد وقع بعينه في ظرف التشريع غير أن معناه مما قرره الشارع: التعاون علي البر - الزيادة في أبهة الإسلام - تعظيم الرسول الكريم ونصره الواجب اتفاقا - الثناء عليه صلي الله عليه وسلم كما كان يفعله بنفسه شكرا وتعليما، لا فخرا، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلونه ويستحسنه صلي الله عليه وسلم.
الشيخ إبراهيم انياس وتعظيم المولد
وقد نقل المؤلف جزاه الله خيرا أن الشيخ إبراهيم نياس كان يقول بشأن عمل المولد أنه بدعة مستحسنة إن خلا من البدع المذمومة والمنكرات والمعاصي التي تنافي دعوة صاحب الحفل نبي الهدي الداعي إلي الله بإذنه. ويقول إنه: " عيد الأعياد ومؤتمر أرباب المحبة والوداد واستخرج بعضهم عمله من الكتاب وبعضهم من السنة. فالشيخ إبراهيم نياس يقول إن عمل المولد يؤخذ من قوله تعالي "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك".
ليلة المولد أفضل من ليلة القدر:
روي عن الإمام أحمد بن محمد القسطلاني في المواهب أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة: أولها، أن ليلة المولد ليلة ظهوره صلي الله عليه وسلم وليلة القدر معطاة له. فكانت ليلة المولد بهذا الاعتبار أفضل. الثاني: أن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها وليلة المولد شرفت بظهوره صلي الله عليه وسلم. وهو أفضل من الملائكة علي الأصح المرتضي. فتكون ليلة المولد أفضل. الثالث: أن ليلة القدر وقع التفضل بها علي أمة محمد صلي الله عليه وسلم وليلة المولد الشريف وقع التفضل فيها علي سائر الموجودات، فهو الذي بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين فعمت به النعمة علي جميع الخلائق فكانت ليلة المولد أعم نفعا.
فيا شهرا ما أشرفه و أوفر حرمة لياليه كأنها لآلي في العقود ... ويا وجها  ما أشرفه من مولود. فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعا وحسنه بديعا.
وجوب الصلاة علي المصطفي عليه الصلاة والسلام وتعظيمه
أجمع العلماء علي وجوب الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فبعضهم جعلها فرضا مرة كالإمام مالك. وعند الشافعي وأحمد تجب في كل فرض بعد التشهد الأخير وتبطل الصلاة بتركها عمدا كان أو سهوا. وهي واجبة كلما جري ذكره صلي الله عليه وسلم للحديث: "من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله " ويروي أنه قيل له:
يا رسول الله أرأيت قول الله "إن الله وملائكته يصلون علي النبي  يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه  وسلموا تسليما"، فقال النبي صلي الله عليه وسلم "هذا من العلم المكتوم ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به أن الله تعالي وكل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان:غفر الله لك وقال الله تعالي وملائكته جوابا لذينك الملكين: ءامين، ولا أذكر عند مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذلك الملكان: لا غفر الله لك. وقال الله تعالي وملائكته لذينك الملكين: ءامين " .
وقال سهل بن عبد الله: الصلاة علي محمد صلي الله عليه وسلم أفضل العبادات .
ووجوب الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم كوجوب تعظيمه وتوقيره فقد روي عن الإمام مالك أبن أنس قوله لأبي جعفر المنصور في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالي أدب قوما فقال: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي"، ومدح قوما فقال "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله" وذم قوما فقال: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ". وإن حرمته ميتا كحرمته حيا .
وأخيرا، فإن هذا الكتاب جدير بإقناع من يبحثون عن الدليل علي الاحتفال بالمولد الشريف الذي لم يكن أحد من سكان هذه البلاد يعتقد أنه يحتاج إلي دليل، لأنه مولد البشير النذير الذي جاءنا بالرسالة من رب العالمين.
  ثانيا: العلامة الشيخ اباه ولد عبدالله
وجه إلى العلامة سؤال عن رأيه في تعظيم مولد حبيب الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ؟ ونحن نعرض هنا بعض جوانب جوابه-حفظه الله-
o    اختلفت فيه أقوال العلماء من مستحسن لما يشتمل عليه من تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتذكير المسلمين بمنة الله تعالى عليهم بهذا النبي الكريم، التي هي أعظم منة تستحق أن تقابل بالشكر وشهود المنة لله تعالى فيها: من ذكر معجزاته الخارقة، ونشر بعض خصائصه الفائقة، وإذاعتها على أسماع العوام الذين لا يحضرون مجالس العلم والعلماء. فذلك مما يزيد في إيمانهم ويقوى يقينهم، مع إلهاب القلوب على محبته والحث على اتباع سنته. لهذه الفوائد ولغيرها استحسنه بعض العلماء وعدُّوه من البدع المستحسنة، جريا على القول بتقسيم البدعة إلى الأحكام الشرعية المعروفة كما ذهب إليه عز الدين بن عبد السلام وتبعه فيه جمهور أهل العلم، ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح "نعمت البدعة هذه". أما إذا مشينا على القول بعدم تقسيم البدعة وهو ما ذهب إليه تقي الدين بن تيمية وأبو إسحاق الشاطبي ومن تبعهما فلا نعده بدعة، بل يكون داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها".... إلى أن يقول: "وإذا جاز أن نسميه بدعة مجاراة للاصطلاح فليس ببدعة مذمومة قطعا".
o    أنى يكون الفرح بالنبي صلى الله عليه وسلم ومدارسة سنته  وإشاعة معجزاته في الناس بدعة؟ و قد حثنا الله تعالى في كتابه الكريم على توقيره وتعزيزه فقال: "لتعزِّروه وتوقِّروه"، على أحد التفسيرين للآية الكريمة. فهذا من تعزير النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره المأمور به في الآية. ولم يخص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بنوع من التوقير دون نوع، بل أطلق ليكون التوقير شاملا لكل ضرب من ضروبه ... ويراعى في ذلك الحذر من الوقوع في الإطراء المنهي عنه في الحديث الشريف، ويضاف إلى ما سبق مما يستأنس به لما نحن بصدده ما ورد في الترغيب في مجالس العلم والخير كما هو مصرح به في غير ما آية أو حديث مما لا يمكن استقصاؤه.
o    يذكر المترجمون لإمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا جاءه الطلبة خرجت إليهم جاريته وسألتهم: أتريدون الحديث أو المسائل؟ فإن كانوا يريدون الحديث دخل مغتسله فاغتسل وتطيب وسرح لحيته ولبس أجمل ثيابه، ونصب له سرير ليجلس عليه، يفعل ذلك تعظيما لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يريدون المسائل خرج إليهم على حالته. وقد سأله بعض القضاة عن حديث وهما ماشيان في الطريق فأمر بضربه عشرة أسواط وقال له: أتسال عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الطرق؟ ولما وصل إلى منزله حدثه بعشرة أحاديث عدد الأسواط التي ضربه فقال القاضي: ليت مالكا زادني أسواطا وزادني حديثا، وكان لا يركب دابة ولا يلبس نعلا في المدينة، وقال إنه لا يطأ بقعة دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم بحافر دابة أبدا.  ولم يرو فيما علمت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا من التابعين فعل مثل ما فعله مالك، ولم نسمع أن أحد ممن عاصر مالكا ولا من جاء بعده نقم عليه فعله هذا، أو عده بدعة وغلوا في الدين، بل على العكس من ذلك جعلوه من أبرز مناقبه، فلتكن إذن إقامة المولد والاحتفال به من هذا الباب بلا فرق ظاهر عند التأمل.
o    وقد يظهر تخريجه على أصل ثالث ربما كان أمس بمسألتنا مما استخرجه الحافظان ابن حجر والسيوطي وهو ما أخرجه مسلم عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذلك يوم ولدت فيه وبعثت وأنزل علي فيه"؛  فهو يدل كما هو واضح على اعتبار زيادة الشكر لله تعالى في مثل يوم ولادته صلى الله عليه وسلم من كل أسبوع، ولذلك ندب إلى صيامه ورتبه على كونه ولد فيه.
o          الإنصاف في المسألة ما قاله ابن حجر من أنه اشتمل على محاسن وضدها فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا. ومثله لابن الحاج في مدخله. وقد حثتنا الشريعة المطهرة على شكر النعم والصبر عند المصائب، وقد أطال ابن تيمية الكلام في ذم إقامة المولد لكنه قال: إن من فعله تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مأجور على نيته
o    والحاصل أنه إن خلا من المحرمات والمنكرات فهو حسن وإلا فمذموم فاعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يعظم بخلاف سنته، ودرء المفاسد الراجحة أو المساوية مقدَّم على جلب المصلحة.
ثالثا: الشيخ المغربي السيد حمزة الكتاني   

يذكر هذا الشيخ أن الأصل في الاختلاف في مشروعية الاحتفال بالمولد الشريف هو: هل كل ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة غير جائزة، أم أنه تجري عليه الأحكام التشريعية الخمسة: الإباحة، والاستحباب، والوجوب، والكراهة، والتحريم؟
والبدعة كما عرفها الإمام الشافعي رحمه الله: ما خالف سنة ولم يكن له أصل في الشريعة.
إن تطور الحياة، يستدعي مراعاة المناسبات المتجددة، إذ من أصول الديانات: مراعاة المناسبات والأوقات والأزمنة والأمكنة التي يحدث فيها الخير أو الشر. ومن ذلك حديث القاتل مائة نفس، والذي أمر بالخروج من القرية التي ظلم فيها.
وعليه؛ يخرج أمر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من قسم الخلافي إلى قسم المندوب اتفاقا، بل ظاهر الآية ((وذكرهم بأيام الله)) يقتضي الوجوب، لتضمنها لفعل الأمر، ولا أغر في أيام الله تعالى من يوم إيجاده لمن فرق به الحق من الباطل، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فكان بذلك الاحتفال بيوم المولد الشريف طاعة لله تعالى، واقتفاء لأمر القرآن الكريم.
يذكر في هذا السياق، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرخ بالهجرة، بل وردت آثار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أول من دعا للتأريخ بها، ولا يؤرخ العرب إلا بأمر مهم كما لا يخفى، وهو نوع من الإحياء والاحتفال.

... وخلاصة القول
v أن أهل الصدق والشوق يستقبلون نفحات مولد المصطفى صلى الله عليه وعلى وسلم بكل تجليات البشر والاحتفاء والاحتفال، ويمضون وقتا من أوقات الذكر والتذكير والتبصر والتبصير، مستنشقين عبير سيرته، متعرضين لسحب الرضوان .إن لاحتفالهم لخصوصية تنبع مما تدل عليها المناسبة باعتبارها مصدرا للتأسي وللاستفادة؛ فتخرج عن ظرفيتها وموسميتها، لتتمحض لتذكر المنة التي من الله بها على الأمة ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ))، ذلك أن شكر النعمة في ظرف حدوثها أنسبُ لتجديد العهد وأواصر المحبة اللازمين في حقه عليه الصلاة والسلام، وأخذ العبرة والموعظة.
v أن الفرح به صلّى الله عليه وسلّم مشروع بل مستحب، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) (يونس: 58)، قال فضيلة الشيخ مانع الحميري: فالله عز وجل طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة، وقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)
v أن في قوله صلّى الله عليه وسلّم الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي". إشارة إلى تعظيم يوم مولده الشريف
v الرؤيا التي رآها العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث روى البخاري في صحيحه أن عُرْوَةُ قَالَ: ثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَت النبيّ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيلةٍ قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي (ثُوَيْبَةَ).  قال ابن حجر في "الفتح": ذكر السهيلي أنّ العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته، فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلاّ أنّ العذاب يخفّف عني كل يوم اثنين، وذلك أنّ النبيّ ولد يوم الإثنين فبشرته ثويبة – مولاة أبي لهب- بمولد صلّى الله عليه وسلّم فأعتقها.


((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون))

الأستاذ / محمدن ولد آد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق